الدکتور خاقاني إصفهاني

شاعر ذو اللسانين

باسمه تعالی

والله لن تبقی من الدنيا لنا        إلا الذي نطقت به أقلامنا

الحمد لله علی تواتر آلائه ووفور نعمائه ، والصلاة والسلام علی أفضل رسله وختم أنبيائه، وعلی أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

کان للإيرانيين طوال حياتهم التاريخية الممتدة عبر آلاف السنين مع الأمم والقوميات والشعوب المختلفة في العالم علاقات أخوية أحياناً ومتشنّجة أحياناً أخری. وقد دخلت إيران إثر هذه العلاقات المختلفة أفکار وثقافة الأمم الأخری، ولم يکن للإيرانيين رغم فرط علاقتهم أي تعصّب يبعدهم عن الحقيقة، بل امتزجوا بالأمم والأقوام المختلفة. ومثالها ما کان بين العرب والإيرانيين منذ أقدم اعصور من علاقات مشترکة عريقة ندر أن تفاعلت أمّتان عبر التاريخ في جميع حقول الحياة کما تفاعلت الأمّتان العربية والإيرانية ولاسيّما منذ العهد الأخميني (القرن السادس قبل الميلاد) إلی يومنا هذا، لأن العرب لم يکونوا بعيدين عن الحياة الفارسية ثقافياً واجتماعياً حتی قبل الإسلام.

ثمّ حلّ الإسلام وأزال الحواجز القومية وأعلن عن ولادة أمة ترفض کلّ تمايز في عنصر أو لغة، فتعاون الإيؤانيون والعرب وتفاعلوا مع الدين المبين، وعلی أيديهم انتشرت اللغة العربية والعلوم الدينية.

إن انتشار الإسلام في إيران أدّی إلی اندماج شديد بينهما في التعامل الاجتماعي والثقافي وسائر مجالات الحياة الأخری حيث حمل أبناء بلاد فارس أوجه ثقافتهم في النظم والإدارة والصناعة والعلوم الطبية والهندسة والرياضيات والآداب و….

ومع مرور الزمن تزايدت محبة الفرس للإسلام، واهتمّ الإيرانيون باللغة العربية علی صعيد آدابها وقواعدها وبلاغتها ونقدها، وظهر علی المسرح الثقافي کبار الأدباء وااللغويّون والنويّون والنقّاد وکتّاب المعاجم. مثلاً: برز في مجال علم التفسير الطبري والزمخشري والطبرسي وفي مجال الحديث الکليني والصدوق، وفي علم اللغة العربية الصاحب بن عباد وإسماعيل بن حمّاد الجوهري، وفي علم النحو سيبويه والزجاجي وغلام ثعلب، وفي فن البلاغة أبوهلال العسکري وعبد القاهر الجرجاني والسکاکي.

وکان للشعراء إلی جانب هؤلاء الکتّاب والعلماء دور أساسي في تفاعل هاتين الثقافتين، حتی نری دواوين عظماء شعراء الأدب الفارسي مشبعة بالثقافة الإسلامية العربية، مما أدّی إلی شدّ أزر العلاقات بين العربية والفارسية.

وقد جاء في أشعارهم مضامين متنوّعة يدلّ علی حظّهم في العلوم المتداولة، لأن أکثرهم من العرفاء والفلاسفة والحکماء والبلغاء کابن سينا، العماد الإصفهاني، خواجه نصير الدين الطوسي، حافظ الشيرازي، سعدي الشيرازي، الشيخ البهائي، ومولانا جلال الدين الرومي.

والآن، وبعد أن طال افتقاد المکتبات العربية لشعر شعراء إيران الذين أثروا الآداب العربية بأشعارهم السامية ، ظهر علی الساحة فجأة ديوان الدکتور محمد خاقاني، واحتلّ مکانه اللائق علی رفوف المکتبة العربية.

إنني لم آت بجديد إن عرّفت الدکتور محمد خاقاني، ويکفي المرء الاطلاع علی بعض قصائد ديوانه هذا ليدرک مقامه وجرأته وشجاعته الأدبية وحبّه لأهله وقومه وأبناء جلدته مع إخلاصه للغة العربية واعتزازها بها وتبحّره الفائق في مفرداتها.

نعم؛ الدکتور محمد خاقاني شاعر نظيف السريرة، عفٌّ طاهر في عاطفته وأشعاره، ولم تر الابتذال الشائع في القرن الراهن في أي بيت من قريضه الرائع الذي أرجو أن يکون للجيل الصاعد قدوة، وللشعراء والشواعر أسوة.

شعره جديد المعاني والألفاظ، فيه نکتة حلوة، وهو مرآة لنفسه وعصره وبيئته. لقد اقتبس من آي القرآن الکريم بطريقة تجعلک تلمس آيات واجب الوجود جلّ وعلا فيما بين أبيات قصائده کلوحة ناطقة بلسان مبين.

کما تشعر بالتصوّف والعرفان ومصداقية الإيمان واضحة في قصائده کوضوح الشمس في رابعة النهار.

وإن هزّک الشوق فسوف تلاقي في هذا الديوان قصائد رائعة، تخبرک عن الهوی والغرام والوجد والهيام، والحب والشوق والآلام، ولکن لا کما عهدناه في غابر الأيام.. وقد تشاهد ظلّه الخفيف ورحه المرحة في أغلب أبيات ديوانه.

ولا أغالي إن شبّهت الأستاذ محمد خاقاني بالأديب ذي اللسانين عبد الله بن المقفّع، فهو يسرد أحاسيسه ومشاعره بالفارسية أو العربية، ولا أعرف بأي اللغتين هو أفصح.

وختاماً؛ أرجو لزميلي الدکتور خاقاني إصفهاني الموفقيّة الدائمة والتقدّم الزاهر.

وختاماً؛ أرجو لزميلي الدکتور خاقاني إصفهاني الموفقيّة الدائمة والتقدّم الزاهر.

د. قيس آل قيس

مدير قسم اللغة العربية معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية

وزارة التعليم العالي – طهران

ارسال دیدگاه

*